فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد عن عمير بن إسحاق قال لما كان يوم أحد أجلى الله الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقي سعد من مالك يرمي، وفتى شاب ينبل به كلما فني النبل أتاه به فنثره فقال: ارم أبا إسحاق، ارم أبا إسحاق. فلما انجلت المعركة سئل عن ذلك الرجل فلم يعرف.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وما جعله الله بشرى لكم} يقول: إنما جعلهم لتستبشروا بهم ولتطمئنوا إليهم، ولم يقاتلوا معهم يومئذ لا قبله ولا بعده، إلا يوم بدر.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد {وما النصر إلا من عند الله} قال: لو شاء أن ينصركم بغير الملائكة فعل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ليقطع طرفًا من الذين كفروا} قال: قطع الله يوم بدر طرفًا من الكفار، وقتل صناديدهم ورؤوسهم وقادتهم في الشر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن {ليقطع طرفًا} قال: هذا يوم بدر، قطع الله طائفة منهم وبقيت طائفة.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: ذكر الله قتلى المشركين بأحد، وكانوا ثمانية عشر رجلًا فقال: {ليقطع طرفًا من الذين كفروا} ثم ذكر الشهداء فقال: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا} الآية.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد {أو يكبتهم} قال: يخزيهم.
وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع. مثله. اهـ.

.تفسير الآية رقم (128):

قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان صلى الله عليه وسلم حريصًا على طلب الإدالة عليهم ليمثل بهم كما مثلوا بعمه حمزة وعدة من أصحابه رضي الله عنهم قال تعالى: {ليس لك من الأمر} أي فيهم ولا غيرهم {شيء} موسطًا له بين المتعاطفات، يعني من الإدالة عليهم بقتل أو هزيمة تدرك بهما ما تريد، بل الأمر له كله، إن أراد فعل بهم ما تريد، وإن أراد منعك منه بالتوبة عليهم أو إماتتهم على الكفر حتف الأنف فيتولى هو عذابهم، وذلك معنى قوله: {أو يتوب عليهم} أي كلهم بما يكشف عن قلوبهم من حجاب الغفلة فيرجعوا عما هم عليه من الظلم {أو يعذبهم} كلهم بأيديكم بأن تستأصلوهم فلا يفلت منهم أحد، أو يعذبهم هو من غير واسطتكم بما يستدرجهم به مما يوجب إصرارهم حتى يموتوا على الكفر مع النصر عليكم وغيره مما هو لهم في صورة النعم الموجب لزيادة عقابهم.
ثم علل الأقسام الأربعة بقوله: {فإنهم ظالمون} وفي المغازي من صحيح البخاري معلقًا عن حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام فنزلت {ليس لك من الأمر شيء}- إلى قوله: {ظالمون} ورواه موصولًا في المغازي والتفسير والاعتصام عن سالم عن أبيه بغير هذا اللفظ، وفيه «اللهم العن فلانًا وفلانًا». اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

في سبب نزول هذه الآية قولان:
الأول: وهو المشهور: أنها نزلت في قصة أحد، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه أراد أن يدعو على الكفار فنزلت هذه الآية والقائلون بهذا ذكروا احتمالات:
أحدها: روي أن عتبة بن أبي وقاص شجه وكسر رباعيته فجعل يمسح الدم عن وجهه وسالم مولى أبي حذيفة يغسل عن وجهه الدم وهو يقول: «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم» ثم أراد أن يدعو عليهم فنزلت هذه الآية.
وثانيها: ما روى سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن أقوامًا فقال: «اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحرث بن هشام، اللهم العن صفوان بن أُمية» فنزلت هذه الآية: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} فتاب الله على هؤلاء وحسن إسلامهم.
وثالثها: أنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لما رآه ورأى ما فعلوا به من المثلة قال: «لأمثلن منهم بثلاثين» فنزلت هذه الآية، قال القفال رحمه الله، وكل هذه الأشياء حصلت يوم أحد، فنزلت هذه الآية عند الكل فلا يمتنع حملها على كل الاحتمالات.
الثاني: في سبب نزول هذه الآية أنها نزلت بسبب أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يلعن المسلمين الذين خالفوا أمره والذين انهزموا فمنعه الله من ذلك وهذا القول مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
الوجه الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر للمسلمين الذين انهزموا وخالفوا أمره ويدعو عليهم فنزلت الآية، فهذه الاحتمالات والوجوه كلها مفرعة على قولنا إن هذه الآية نزلت في قصة أحد.
القول الثاني: أنها نزلت في واقعة أخرى وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جمعًا من خيار أصحابه إلى أهل بئر معونة ليعلموهن القرآن فذهب إليهم عامر بن الطفيل مع عسكره وأخذهم وقتلهم فجزع من ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم جزعًا شديدًا ودعا على الكفار أربعين يومًا، فنزلت هذه الآية، هذا قول مقاتل وهو بعيد لأن أكثر العلماء اتفقوا على أن هذه الآية في قصة أحد، وسياق الكلام يدل عليه وإلقاء قصة أجنبية عن أول الكلام وآخره غير لائق. اهـ.

.قال القرطبي:

ثبت في صحيح مسلم: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كُسِرت رَباعِيته يوم أُحُد، وشُجّ في رأسه، فجعل يسْلِتُ الدمَ عنه ويقول: «كيف يُفلح قوم شَجّوا رأس نبِيهم وكسروا رباعِيته وهو يدعوهم إلى الله تعالى».
فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ}.
الضحاك: هَمَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يدعوَ على المشركين فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ}.
وقيل: استأذن في أن يدعو في استئصالهم، فلما نزلت هذه الآية علم أن منهم من سيُسلِم وقد آمن كثير منهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعِكرمة بن أبي جهل وغيرهم.
وروى الترمذي عن ابن عمر قال: وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو على أربعة نفر فأنزل الله عزّ وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ} فهداهم الله للإسلام.
وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَئ} فيه قولان:
الأول: أن معناه ليس لك من قصة هذه الواقعة ومن شأن هذه الحادثة شيء وعلى هذا فنقل عن المفسرين عبارات:
أحدها: ليس لك من مصالح عبادي شيء إلا ما أوحي إليك.
وثانيها: ليس لك من مسألة إهلاكهم شيء، لأنه تعالى أعلم بالمصالح فربما تاب عليهم.
وثالثها: ليس لك في أن يتوب الله عليهم، ولا في أن يعذبهم شيء.
والقول الثاني: أن المراد هو الأمر الذي يضاد النهي، والمعنى: ليس لك من أمر خلقي شيء إلا إذا كان على وفق أمري، وهو كقوله: {أَلاَ لَهُ الحكم} [الأنعام: 62] وقوله: {لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [الروم: 4] وعلى القولين فالمقصود من الآية منعه صلى الله عليه وسلم من كل فعل وقول إلا ما كان بإذنه وأمره وهذا هو الإرشاد إلى أكمل درجات العبودية، ثم اختلفوا في أن المنع من اللعن لأي معنى كان؟ منهم من قال الحكمة فيه أنه تعالى ربما علم من حال بعض الكفار أنه يتوب، أو إن لم يتب لكنه علم أنه سيولد منه ولد يكون مسلمًا برًا تقيًا، وكل من كان كذلك، فإن اللائق برحمة الله تعالى أن يمهله في الدنيا وأن يصرف عنه الآفات إلى أن يتوب أو إلى أن يحصل ذلك الولد فإذا حصل دعاء الرسول عليهم بالأهلاك، فإن قبلت دعوته فات هذا المقصود، وإن لم تقبل دعوته كان ذلك كالاستخفاف بالرسول صلى الله عليه وسلم، فلأجل هذا المعنى منعه الله تعالى من اللعن وأمره بأن يفوض الكل إلى علم الله تعالى، ومنهم من قال: المقصود منه إظهار عجز العبودية وأن لا يخوض العبد في أسرار الله تعالى في ملكه وملكوته، هذا هو الأحسن عندي والأوفق لمعرفة الأصول الدالة على حقيقة الربوبية والعبودية. اهـ.

.قال القرطبي:

قال علماؤنا: قوله عليه السَّلام: «كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم» استبعاد لِتوفيق مَن فَعل ذلك به.
وقوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ} تقريب لما استبعده وإطماع في إسلامهم، ولما أُطْمع في ذلك قال صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» كما في صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبِيًا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: «رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» قال علماؤنا: فالحاكي في حديث ابن مسعود هو الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام، وهو المحكي عنه؛ بدليل ما قد جاء صريحًا مبَيِّنًا.
أنه عليه الصَّلاة والسَّلام لما كُسرت رَباعيته وشُجّ وجهه يوم أحُد شقّ ذلك على أصحابه شقًّا شديدًا وقالوا: لو دعوت عليهما فقال: «إني لم أبعث لَعّانًا ولكني بعثت داعِيًا ورحمة، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» فكأنه عليه السَّلام أوحي إليه بذلك قبل وقوع قضية أحُد، ولم يعيّن له ذلك النّبيّ؛ فلما وقع له ذلك تَعيَّن أنه المعنيُّ بذلك بدليل ما ذكرنا.
ويُبيِّنه أيضا ما قاله عمر له في بعض كلامه: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله! لقد دعا نوح على قومه فقال: {رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّارًا} [نوح: 26] الآية.
ولو دعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا؛ فقد وُطِيء ظهرك وأدْمي وجهك وكُسِرت ربَاعيتك فأبيت أن تقول إلاَّ خيرًا، فقلت: «رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
وقوله: «اشتد غضب الله على قوم كسروا رباعية نبيهم» يعني بذلك المباشرَ لذلك، وقد ذكرنا اسمه على اختلاف في ذلك، وإنما قلنا إن خصوص في المباشر؛ لأنه قد أسلم جماعة ممن شهد أحُدًا وحسن إسلامهم. اهـ.

.قال الفخر:

ذكر الفرّاء والزجاج وغيرهما في هذه الآية قولين:
أحدهما: أن قوله: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} عطف على ما قبله، والتقدير: ليقطع طرفًا من الذين كفروا، أو يكبتهم، أو يتوب عليهم، أو يعذبهم، ويكون قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَئ} كالكلام الأجنبي الواقع بين المعطوف والمعطوف عليه، كما تقول: ضربت زيدًا، فاعلم ذلك عمرًا، فعلى هذا القول هذه الآية متصلة بما قبلها.
والقول الثاني: أن معنى {أَوْ} هاهنا معنى حتى، أو إلا أن كقولك: لألزمنك أو تعطيني حقي والمعنى: إلا أن تعطيني أو حتى تعطيني، ومعنى الآية ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله عليهم فتفرح بحالهم، أو يعذبهم فتتشفى منهم. اهـ.

.إشكال وجوابه:

قال الفخر:
ظاهر هذه الآية يدل على أنها وردت في أمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل فيه فعلًا، وكانت هذه الآية كالمنع منه، وعند هذا يتوجه الإشكال، وهو أن ذلك الفعل إن كان بأمر الله تعالى، فكيف منعه الله منه؟ وإن قلنا أنه ما كان بأمر الله تعالى وبإذنه، فكيف يصح هذا مع قوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} [النجم: 3] وأيضا دلت الآية على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فالأمر الممنوع عنه في هذه الآية إن كان حسنًا فلم منعه الله؟ وإن كان قبيحًا، فكيف يكون فاعله معصومًا؟.
والجواب من وجوه:
الأول: أن المنع من الفعل لا يدل على أن الممنوع منه كان مشتغلًا به فإنه تعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وأنه عليه الصلاة والسلام ما أشرك قط وقال: {يا أيها النبي اتق الله} [الأحزاب: 1] فهذا لا يدل على أنه ما كان يتقي الله، ثم قال: {وَلاَ تُطِعِ الكافرين} وهذا لا يدل على أنه أطاعهم، والفائدة في هذا المنع أنه لما حصل ما يوجب الغم الشديد، والغضب العظيم، وهو مثلة عمه حمزة، وقتل المسلمين، والظاهر أن الغضب يحمل الإنسان على ما لا ينبغي من القول والفعل، فلأجل أن لا تؤدي مشاهدة تلك المكاره إلى ما لا يليق من القول والفعل نص الله تعالى على المنع تقوية لعصمته وتأكيدًا لطهارته.
والثاني: لعله عليه الصلاة والسلام إن فعل لكنه كان ذلك من باب ترك الأفضل والأولى، فلا جرم أرشده الله إلى اختيار الأفضل والأولى، ونظيره قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ للصابرين واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله} [النحل: 126، 127] كأنه تعالى قال: إن كنت تعاقب ذلك الظالم فاكتف بالمثل، ثم قال ثانيًا: وإن تركته كان ذلك أولى، ثم أمره أمرًا جازمًا بتركه، فقال: {واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله}.
الوجه الثالث: في الجواب: لعلّه صلى الله عليه وسلم لما مال قلبه إلى اللعن عليهم استأذن ربه فيه، فنص الله تعالى على المنع منه، وعلى هذا التقدير لا يدل هذا النهي على القدح في العصمة. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} مفسر عند أصحابنا بخلق التوبة فيهم وذلك عبارة عن خلق الندم فيهم على ما مضى، وخلق العزم فيهم على أن لا يفعلوا مثل ذلك في المستقبل قال أصحابنا: وهذا المعنى متأكد ببرهان العقل وذلك لأن الندم عبارة عن حصول إرادة في المضي متعلقة بترك فعل من الأفعال في المستقبل، وحصول الإرادات والكراهات في القلب لا يكون بفعل العبد، لأن فعل العبد مسبوق بالإرادة، فلو كانت الإرادات فعلًا للعبد لافتقر العبد في فعل تلك الإرادة إلى إرادة أخرى ويلزم التسلسل وهو محال، فعلمنا أن حصول الإرادة والكراهات في القلب ليس إلا بتخليق الله تعالى وتكوينه إبتداء، ولما كانت التوبة عبارة عن الندم والعزم، وكل ذلك من جنس الإرادات والكراهات، علمنا أن التوبة لا تحصل للعبد إلا بخلق الله تعالى، فصار هذا البرهان مطابقًا لما دل عليه ظاهر القرآن، هو قوله: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}.
وأما المعتزلة فإنهم فسروا قوله: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} إما بفعل الألطاف أو بقبول التوبة. اهـ.

.قال القرطبي:

زعم بعض الكوفيين أن هذ الآية ناسخة للقُنُوت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله بعد الركوع في الركعة الأخيرة من الصبح، واحتج.
بحديث ابن عمر أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الفجر بعد رفع رأسه من الركوع فقال: «اللهمَّ ربنا ولك الحمد في الآخرة ثم قال اللهمَّ العن فلانًا وفلانًا» فأنزل الله عزّ وجلّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} الآية.
أخرجه البخاريّ، وأخرجه مسلم أيضا من حديث أبي هريرة أتمّ منه.
وليس هذا موضع نسخ وإنما نَبّه الله تعالى نبيه على أن الأمر ليس إليه، وأنه لا يعلم من الغيب شيئًا إلاَّ ما أعلمه، وأن الأمر كله لله يتوب على من يشاء ويعجل العقوبة لمن يشاء.
والتقدير: ليس لك من الأمر شيء ولله ما في السموات وما في الأرض دونك ودونهم يغفر لمن يشاء ويتوب على من يشاء.
فلا نسخ، والله أعلم، وبَيّن بقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ} أن الأمور بقضاء الله وقدره رَدًّا على القدرية وغيرهم. اهـ.